فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (6- 7):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [6- 7].
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} أي: بالزنى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} أي: فيما رماها به من الزنى: {وَالْخَامِسَةُ} أي: والشهادة الخامسة للأربع المتقدمة: {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} أي: فيما رماها به من الزنى. فيسقط عنه حد القذف، ويجب عليها الحد وهو الرجم. إلا إن لاعنت أيضاً. كما قال سبحانه:

.تفسير الآيات (8- 10):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [8- 10].
{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} أي: الدنيوي وهو الرجم: {أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} أي: فيما رماها به من الزنى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ} أي: الزوج: {مِنَ الصَّادِقِينَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} أي: لحرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم، ولكن لرحمته ولطفه، شرع لكم من الفرج والمخرج، ما أنزله وأحكمه.
تنبيهات:
الأول: قال ابن كثير: هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج، إذا قذف أحدهم زوجته وتعسر عليه إقامة البينة، أن يلاعنها كما أمر الله عزَّ وجلَّ. وهو أن يحضرها إلى الإمام فيدعي عليها بما رماها به. فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء إنه لمن الصادقين. أي: فيما رماها به من الزنى. والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. فإذا قال ذلك بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء. وحرمت عليه أبداً. ويعطيها مهرها. ويتوجه عليها حد الزنى. ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين. أي: فيما رماها به. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
الثاني: روي في الصحيح أن ذلك وقع في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم. وأن رجلاً قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أرأيت رجلاً رأى مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد قضى الله فيك وفي امرأتك». وتلا عليه ما نزل من هذه الآية. فتلاعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصح أيضاً أنها قد وقعت لرجلين سمِّيا. وقد اختلف شراح الصحيح في معنى ما روي من أنها نزلت فيهما معاً.
وإذا راجعت ما كتبناه في المقدمة في معنى سبب النزول، زال الإشكال فارجع إليه.
الثالث: قال السيوطي في الإكليل: هذه الآية أصل في اللعان، ففيها أن شرطه سبق قذف. وأنه إنما يكون بين الزوجين لا بين الرجل وأجنبية ولا السيد وأمته. واستدل بعمومها من قال بلعان الكفار والعبيد والخصيّ والمجبوب والمحدود في القذف والأعمى والأخرس، ومن الصغيرة التي لا تحمل والآيسة. واستدل بقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} من قال: لا لعان إذا أقام البينة على زناها وبقوله: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} من قال: إن اللعان شهادة لا يمين. وقوله: {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} إلخ فيه أن صيغته أن يقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين، أربعاً والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فاستدل به من لم يجز إبدال أشهد بأحلف أو أقسم ونحوه أو اللهِ بالرحمن ونحوه أو زاد بعلم الله ونحوه ومن لم يوجب زيادة: الذي لا إله إلا هو، ومن لم يجز إسقاط: إني لمن الصادقين، ولا إبدالها بما كذبت عليها ونحوه ولا الاكتفاء بدون أربع، خلافاً لأبي حنيفة، في اكتفائه بثلاث شهادات. ولا تقديم اللعنة على الشهادة، أو توسطها، أو إبدالها بالغضب. وقوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} الآية، فيه أن لعانه يوجب على المرأة حد الزنى وأن لها دفعه بأن تقول أربع مرات. أشهد بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها الخ. وفيه أيضاً أنه لا يجوز لها أن تبدل أشهد بأحلف أو الغضب باللعنة إلى آخر ما تقدم. واستدل به على أنه لا يجوز تقديم لعانها على لعانه. انتهى.
الرابع: اعلم أن الحد الواجب بالزنى نوعان: جلد ورجم. فالجلد حد البكرين الحرّين إذا زنيا. فيجلد كل واحد منهما مائة جلدة. وفي تغريبهما سَنة، وتغريب الزاني وحده كذلك، خلاف. نعم، إذا رآه الإمام مصلحة فلا خلاف في إمضائه. والرجم حد الزانيين المحصنين. والإحصان عبارة عن البلوغ والعقل والحرية والدخول في النكاح الصحيح. فلا يقتل بالسيف، بل ينكل بالرجم، لا بصخرة تدفف، ولا بحصيات تعذب، بل بحجارة معتدلة، كما في الوجيز وقد اعترض جماعة الخوارج على تشريع الرجم في الإسلام وقالوا: إن الله لم يأمر به في كتابه العزيز. فالذي ورد في عقاب الزنى في القرآن حكمان. أحدهما قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 15- 16]، وهذا الحكم قد نسخ- أي: بيّن- بالحكم الثاني وهو قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [2]، هذه حجة الخوارج. أما حجة الإجماع فهي ورود الآثار الصحيحة الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برجم المحصن، وفعلَه. وروي لذلك جملة أحاديث وأحكام عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كذا في كتاب المقابلات وسبقه الرازيّ في تفسيره فطوَّل النفس في سوق شبهة الخوارج، وأجاب عنها بما ملخصه: أن الآية المذكورة مخصوصة بالبكر، خصصها بالخبر المتواتر بالرجم، وتخصيص القرآن الكريم بخبر الواحد جائز. فأولى بالمتواتر. وثانياً- قال- إنه لا يستبعد تجدد الأحكام الشرعية بحسب تجدد المصالح. فلعل المصلحة التي تقتضي وجوب الرجم، حدثت بعد نزول تلك الآيات. انتهى.
قال صاحب المقابلات: إن الشريعة الإسلامية متفقة مع الشرع العبري في أغلب أحكام الزنى، ولم يرد في الديانة المسيحية نص صريح ينسخ حكم اليهودية في الزنى. ولكن يروى عن عيسى عليه السلام، ما يؤخذ منه ضمناً، عدم إمكان إقامة حد الرجم. لأنه اشترط براءة الراجمين من كل عيب، وأمر الزانية، التي اعترفت بين يديه، بالتوبة والاستغفار. أما حكم الزنى في القوانين الحديثة فيخالف مخالفة كلية لحكم الشريعة الغراء، وحكم التوراة والإنجيل. انتهى كلامه.
وفقنا الله لحفظ حدوده، وجنبنا محارمه بمنه وكرمه.
التنبيه الرابع: من مباحث اللفظ في الآية أن يقال: قد وردت الفاصلة في غير هذا الموضع بتواب رحيم فعلام فصلت هنا بتواب حكيم مع أن التوبة مع الرحمة، فيما يظهر؟
والجواب: أن الله عزَّ وجلَّ حكم بالتلاعن على الصورة التي أمر بها. وأراد بذلك ستر هذه الفاحشة على عباده. وذلك حكمة منه. ففصلت هذه الآية بتواب حكيم إثر بيان الحكم. جمعاً بين التوبة المرجوة من صاحب المعصية، وبين الحكمة في سترها على تلك الصورة. فافهم ذلك. أشار له ابن الأثير في المثل السائر.
ثم أشار تعالى إلى نبأ الإفك، وتبرئة عائشة رضي الله عنها، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (11):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [11].
{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} أي: بأبلغ ما يكون من الكذب، وقيل هو البهتان لا تشهر به حتى يفجأك. والمراد به ما أفك به الصديقة، أم المؤمنين رضي الله عنها؟ فاللام للعهد ويجوز حمله على الجنس. قيل: فيفيد القصر، كأنه لا إفك إلا هو. وفي لفظ المجيء إشارة إلى أنهم أظهروه من عند أنفسهم من غير أن يكون له أصل: {عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} أي: جماعة منكم، خبر إن ومنكم نعت لها. وبه أفاد الخبر. وقوله تعالى: {لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ} مستأنف، والهاء ضمير الإفك أو القذف. والخطاب لرسول الله صلوات الله عليه، ولآل الصديق رضي الله عنهم، ولمن ساءه ذلك من المؤمنين. تسلية لهم من أول الأمر. وقوله تعالى: {بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} زيادة في التسلية والتكريم. أي: لا تظنوه يلحق تهمة بكم أو يوقع نقيصة فيكم، بل قد جرّ لكم خيراً عظيماً.
قال الزمخشريّ: ومعنى كونه خيراً لهم، أنهم اكتسبوا فيه الثواب العظيم. لأنه كان بلاءً مبيناً ومحنة ظاهرة. وأنه نزلت فيه ثماني عشرة آية، كل واحدة منها مستقلة، بما هو تعظيم لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له، وتنزيهٌ لأم المؤمنين رضوان الله عليها، وتطهير لأهل البيت، وتهويل لمن تكلم في ذلك أو سمع به فلم تمجه أذناه. وعدة ألطاف للسامعين والتالين إلى يوم القيامة. وفوائد دينية وأحكام وآداب لا تخفى على متأمليها {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} أي: جزاؤه، وذلك الذم في الدنيا إلى يوم القيامة، والجلد ثمانين. ولعذاب الآخرة أشد: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي: قام بعظمه وإشاعته، بعد ابتدائه بالخوض فيه، وهو رأس المنافقين عبد الله بن أُبَيّ، لإمعانه في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهازه الفرص، وطلبه سبيلاً إلى الغميزة.
روى الطبري عن ابن زيد قال: أما الذي تولى كبره فعبد الله بن أُبيّ بن سلول الخبيث. هو الذي ابتدأ هذه الكلام وقال: امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت، ثم جاء يقود بها. والعذاب العظيم يعم عذابي الدارين، كما قلنا.

.تفسير الآية رقم (12):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [12].
{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} أي: بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات، كقوله تعالى: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: 11]، قال الشهاب: وهذا من بديع الكلام. وقد وقع في القرآن كثيراً. وهو بحسب الظاهر يقتضي أن كل واحد يظن بنفسه خيراً، وليس بمراد. بل أن يظن بغيره ذلك. وتوجيهه أنه مجاز لجعله اتحاد الجنس كاتحاد الذات ولذا فسر قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]، بلا تقتلوا من كان من جنسكم أو يجعلهم كنفس واحدة، فمن عاب مؤمناً فكأنما عاب نفسه، ويجوز أن يقدر فيه مضاف. أي: ظن بعض المؤمنين والمؤمنات بأنفس بعضهم الآخر. وقال الكرماني في حديث: «أموالكم علكم حرام» إنه كقولهم: بنو فلان قتلوا أنفسهم أي: قتل بعضهم بعضاً، مجازاً أو إضماراً للقرينة الصارفة عن ظاهره. ولولا تحضيضية بمعنى: هلا: {وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} أي: هذا الذي سمعناه، من رمي أم المؤمنين، إفك مبين جليّ لمن عقل وفكر فيه. قال العلامة الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل: لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم؟ ولم عدل عن الخطاب إلى الغيبة؟ وعن الضمير إلى الظاهر؟
قلت: ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات. وليصرح بلفظ الإيمان دلالة على أن الاشتراك فيه مقتضٍ ألا يصدق مؤمن على أخيه، ولا مؤمنة على أختها، قولَ عائب ولا طاعن. وفيه تنبيه على أن حق المؤمن، إذا سمع قالةً في أخيه، أن يبني الأمر فيها على الظن، لا على الشك. وأن يقول بملء فيه- بناءً على ظنه بالمؤمن الخير-: {هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}. هكذا باللفظ المصرح ببراءة ساحته. كما يقول المستيقن المطلع على حقيقة الحال. وهذا يدل من الأدب الحسن الذي قلّ القائم به والحافظ له. وليتك تجد من يسمع فيسكت، ولا يشيع ما سمعه بأخواتٍ! انتهى. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (13):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [13].
{لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ} أي: في حكمه وشريعته المؤسسة على الدلائل الظاهرة المستيقنة: {هُمُ الْكَاذِبُونَ} أي الكاملون في الكذب، المشهود عليهم بذلك. قال الزمخشري: وهذا توبيخ وتعنيف للذين سمعوا الإفك فلم يجدّوا في دفعه وإنكاره. واحتجاج عليهم بما هو ظاهر مكشوف في الشرع، من وجوب تكذيب القاذف بغير بينة والتنكيل به، إذا قذف امرأة محصنة من عُرْضِ نساء المؤمنين. فكيف بأم المؤمنين الصديقة بنت الصديق حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبيبة حبيب الله؟

.تفسير الآية رقم (14):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [14].
{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي: لعوجلتم بالعقاب، بسبب ما خضتم فيه من الإفك. ولكنه واسع الفضل والرحمة. يمهل المذنب للتوبة، ويحلم عنه للأوبة.

.تفسير الآية رقم (15):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [15].
{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} أي: وقت تلقّي بعضكم من بعض: {بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً} أي: لا تبعة له ولا عقوبة على مشيعه: {وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} أي: والحال أنه عظيم في الوزر واستجرار العذاب. قال المهايمي: لأن الجراءة على رسول الله وعلى أوليائه، تشبه الجراءة على الله تعالى. قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى قوله: {بِأَفْوَاهِكُمْ} والقول لا يكون إلا بالفم؟
قلت: معناه أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب، فيترجم عنه اللسان. وهذا الإفك ليس إلا قولاً يجري على ألسنتكم، ويدور في أفواهكم، من غير ترجمة عن علمٍ به في القلب. كقوله تعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عِمْرَان: 167]. انتهى. فالقيد ليس تأكيداً صرفاً، كنظر بعينه بل ليفيد نفيَه عما عداه. وقيل إنه توبيخ، كما تقول: قاله بملء فيه، فإن القائل ربما رمز، وربما صرّح وتشدّق. وقد قيل هذا في قوله: {بدت البغضاء} [آل عِمْرَان: 118] وقيل: فائدته ألا يظن أنه كلام نفسي. فهو تأكيد لدفع المجاز. والسياق يقتضي الأول. كذا في العناية.